1228265
1228265
روضة الصائم

نفحات إيمانية: حق الزوجة .. النفقة

27 مايو 2019
27 مايو 2019

حمادة السعيد -

الأسرة هي أساس المجتمع، لذلك اهتم الإسلام ببنائها أشد الاهتمام ووضع لها رسول الله صلى الله عليه وسلم خطوات تسير عليها وحقوقا تحترم من جميع أعضائها.

ولما كانت الأسرة الصالحة هي اللبنة الأساسية لبناء المجتمع الصالح الذي ينعم بنور الإيمان فقد وضع الرسول صلى الله عليه وسلم شروطا وضوابط لاختيار الزوجين وبعد قيام الزوجين باستيفاء شروط الاختيار وعقد النكاح الصحيح تبدأ جملة من الحقوق والواجبات تجاه كل منهما للآخر ومن حقوق الزوجة على زوجها النفقة.. والنفقة تعد من أهم حقوق المرأة لأنها لا تقتصر فقط عليها حال قيام الحياة الزوجية وإنما تمتد لما بعد حال وقوع الطلاق.

يقول محمد يعقوب الدهلوي في كتابه «ضمانات حقوق المرأة الزوجية»: إن الشريعة جعلت للزوجة الخيار في إبقاء الحياة الزوجية من إنهائها، في حالة امتناع الزوج عن النفقة، أو إعساره بها. فنفقة الزوجة كما هو معلوم واجبة على زوجها إجماعا، وحقها في النفقة مقابل حبس منافعها لمصلحة الزوج، فكان واجبا عليه أن يقوم ببذل العوض. وقد ضمنت الشريعة حقها في النفقة بجعل الخيار لها في طلب التفريق، إذا لم تتمكن من أخذ حقها من النفقة، وللعلماء تفصيل وآراء في ثبوت خيار التفريق للزوجة بسبب عدم التمكن من حصولها على النفقة، منها: أن عدم حصول المرأة على نفقتها قد يكون بسبب إعسار الزوج بها، وقد يكون بسبب امتناعه عن النفقة عليها مع كونه موسرا، فها هنا حالتان لعدم الإنفاق، ولكل حالة حكمها. فإذا أعسر الزوج بالنفقة ولم يكن لديه ما ينفقه على زوجته، فهل يثبت لها الخيار بطلب التفريق؟ وهنا اختلف العلماء في ذلك إلى قولين:

القول الأول: أن لها الخيار في طلب التفريق بسبب إعسار الزوج بالنفقة. وهو قول الجمهور (المالكية، والراجح عند الشافعية، وقول الحنابلة) واستدل الجمهور على ما ذهبوا إليه بأدلة، منها: قوله تعالى: (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا) وواضح أن إمساك المرأة من غير الإنفاق عليها إضرار بها، والإضرار منهي عنه «لا ضرر ولا ضرار»، فإمساكها من غير الإنفاق عليها مندرج كذلك تحت النهي. ومثل ذلك قوله تعالى: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) كما استدلوا بما رواه البخاري عن أَبي هُرَيْرَةَ- رَضِي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى. وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُول»، تَقُولُ الْمَرْأَةُ إِمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي وَيَقُولُ الْعَبْدُ أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي وَيَقُولُ الابنُ أَطْعِمْنِي إِلَى مَنْ تَدَعُنِي» فَقَالُوا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لا هَذَا مِنْ كِيسِ أَبِي هُرَيْرَةَ. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: واستدل بقوله «إما أن تطعمني وإما أن تطلقني» من قال يُفَرَّق بين الرجل وامرأته إذا أعسر بالنفقة واختارت فراقه. القول الثاني: أنه ليس لها الخيار في طلب التفريق بسبب إعسار الزوج بالنفقة. وهو قول الحنفية والظاهرية. استدل هذا الفريق لما ذهبوا إليه بأدلة منها: قول الله تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) سورة الطلاق. قال الجصاص رحمه الله: «وقد تضمن معنى آخر من جهة الحكم وهو الإخبار بأنه إذا لم يقدر على النفقة لم يكلفه الله الإنفاق في هذه الحال، وإذا لم يكلف الإنفاق في هذه الحال لم يجز التفريق بينه وبين امرأته لعجزه عن نفقتها».

أما الحالة الثانية: امتناع الزوج عن النفقة مع اليسار وقد اتفق الفقهاء على أن للمرأة التي امتنع زوجها من الإنفاق عليها وهي مستحقة للنفقة، أن لها أن تأخذ ما يكفيها وولدها بالمعروف. وذلك استنادا إلى ما رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها، أن هنداً بنت عتبة، قالت يا رسول الله: إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني، وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف». فإن لم تتمكن من أخذ ما يكفيها وولدها بالمعروف رفعت أمرها إلى الحاكم، فأجبره على الإنفاق عليها.يقول صاحب كتاب «فقه الأسرة» الدكتور م حمد محمد المختار :حق النفقة من الحقوق للزوجات على أزواجهن: وهذا حق دلّ عليه دليل الكتاب والسنة والإجماع: قال الله في كتابه: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) الطلاق:7 (ذو سعة) يعني قدرة، سعى وسعة، (من سعته) أي: مما أعطاه الله عز وجل عليه ووسّع عليه من المال، ينفق إذا كان غنياً مما آتاه الله على قدر غناه، وإذا كان فقيراً مما آتاه الله على قدر فقره، هذه الآية الكريمة يقول العلماء فيها أمران: الأمر الأول: وجوب النفقة في قوله: (لينفق) فالنفقة واجبة.

وأما الأمر الثاني: أنها تتقيد بحال الرجل إن كان غنياً فينفق نفقة الغني. فذو سعةٍ من سعته: ذو الغنى من غناه، وذو الفقر من فقره في قوله تعالى: (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ) الطلاق:7، فهذان أمران: النفقة واجبة، وعلى الغني على قدر غناه، وعلى الفقير على قدر ما آتاه الله، وكذلك أوجب الله النفقة في قوله سبحانه: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء: 34 ، فأخبر سبحانه أن الرجل له فضلٌ على المرأة بالقيام بنفقتها.

وثبت في السنة الصحيحة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- الأمر بالنفقة والحث عليها، ووصية الأزواج بالقيام بها على وجهها، حتى أباح للمرأة أن تأخذ من مال الزوج إذا امتنع من الإنفاق عليها، قال عليه الصلاة والسلام حينما اشتكت إليه هند رضي الله عنها، فقالت: يا رسول الله! إن أبا سفيان رجلٌ شحيح مسّيك، أفآخذ من ماله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف».

وقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «إن لنسائكم عليكم حقاً، ولكم على نسائكم حقاً، فأما حقكم على نسائكم: أن لا يوطئ فرشكم من تكرهون، وأن لا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، وأما حقهن عليكم: أن تحسنوا إليهن في طعامهن وفي كسوتهم».

(فأما حقهن عليكم) قالوا: قوله حق، يدل على أنه واجب، ولكن على الزوج، فدل هذا الحديث على أن النفقة من الزوج على زوجته واجبة ولازمة.

وفي حديث معاوية رضي الله عنه وأرضاه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: (ما حق امرأتي عليَّ؟ قال: تطعمها مما تطعم، وتكسوها مما تكتسي)، فدل على أن من حق المرأة على زوجها أن يطعمها ويكسوها.